كاتب

كاتب

السبت، 30 أبريل 2016

(لأَنـَّهُم يـُرِيـدُونَ ذلِـكَ)***محمد دحروج


(لأَنـَّهُم يـُرِيـدُونَ ذلِـكَ)



حِينَمَا وَقَفْتُ اليَوْمَ عَلَى مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ كَلاَمِ أُسْتَاذِنَا الشَّاعِرِ

 خَالِد سَعْد

ـ حَفِظَهُ اللهُ ـ؛كَانَت وَقْفَةً غَرِيبَةً مَا أَحْبَبْتُهَا لِمَا جَرَّت مِنْ

 ذكْرَيَاتِ
 

تَارِيخٍ مَاجَ بِالضَّلاَلِ


وَالدَّنَسِ وَالخِيَانَةِ؛وَأَنَا بَيْنَ الأَمْوَاجِ المُتَلاَطِمَةِ؛أَبْحَثُ عَنْ سَبِيلِ

 نَجَاةٍ وَلَكِنِّي عَاجِزٌ؛

وَأَصْرُخُ وَلاَ مِنْ مُغِيثٍ؛وَأُنَاضِلُ وَلَكِنِّي عَدِمْتُ الثقَةَ المُؤازِرَ؛ 

كَانَت هَذِهِ هِىَ رِسَالَةُ

شَاعِرِنَا المُوَقَّرِ الأُسْتَاذ خَالِد سَعْد وَقَـد آمَنَ بِأَنِّي بِتُّ رَافِضَاً لِكُلِّ 

شَيْءٍ؛حَتَّى لَقَد بِتُّ

أَرْفُضُ نَفْسِي وَأَذُمُّهَا وَأَشْتَهِي لَوْ خَرَجَت مِنْ ذلِكَ البَدَنِ المُحَاصَرِ

 بِأَوْجَاعِ رُوحِهِ

وَعِلَلِ جَسَدِهِ الَّتِي لاَ تَشْتَهِي تَوْدِيعَاً:

(( إِنِّي لأَظُنُّكَ وَاللهِ كَبِيرَ القَلْبِ؛وَغَضَبُكَ إِنَّمَا يَأْتِي مِنْ طَهَارَةِ 

قَلْبِكَ؛وَلَوْ كُنْتَ غَيْرَ

ذلِكَ لَمَا غَضِبْتَ؛وَلأَضْمَرْتَ الكَرَاهِيَةَ لِلنَّاسِ مَعَ تَبَسُّمِكِ فِي

 وُجُوهِهِم كَمَا يَفْعَلُ الكَثِيرُ؛

وَلَكِنَّكَ إِنْسَانٌ ذو قَلْبٍ شَفِيفٍ ))

وَأَخذتُ أَتَأَمَّلُ هَـذا الكَلاَمَ الصَّامِتَ فِي نَفْسِهِ؛المُزِلْزِلَ لِعَقِيدَةِ 

التَّنَاقُضِ الَّتِي

تُكَوِّنُ هَذِهِ الذات؛وَهُوَ تَنَاقُضٌ لاَ يَتَّجِهُ إِلَى الخَيْرِ وَنَقِيضِهِ فِي

 تَفَاصِيلِ السُّلُوكِ

وَالأَفْعَالِ؛بَلْ يَتَّجِهُ إِلَى ذاتٍ تَمُورُ بِكُلِّ الأَفْكَارِ المُتَنَاقِضَةِ 

المُتَضَارِبَةِ؛فَهُوَ يُحِبُّ مِنْ

نَفْسِهِ حُبَّ الجَمَالِ فِي نُفُوسِ الأَحْيَاءِ وَيَرْجُو دَوَامَهُ وَانْتِشَارَ 

فَلْسَفَةِ الخَيْرِ وَالعَدْلِ

وَالرَّحْمَةِ؛وَلَكِنَّهُ كَمْ مِنْ مَرَّةٍ قَـد تَمَنَّى لَوْ كَانَ يَمْلُكُ شَيْئاً مِنْ 

أَسَالِيبِ المُنَافِقِينَ؛إِذن

لِرَبِحَ مَوَدَّةَ الجَمِيعِ؛وَلَظِفَرَ بِمَا يُرِيدُ وَيَبْتَغِي؛وَلَكِنَّهُ وَاللهِ مَا أَجَادَ

 ذلِكَ؛هُوَ يَتَّجِهُ بِنَاظِرَيْهِ

نَحْوَ السَّمَاءِ لِيَقِينِهِ فِي أَنَّ الرُّوحَ فِي اشْتِهَاءٍ لِمُفَارَقَةِ هَذا

الشَّبَحِ القَائِمِ فِي صُورَةٍ إِنْسَانٍ

يَمْشِي وَيَسْعَى بَيْنَ الخَلاَئِقِ؛وَكَم رَامَ تَوْطِينَ عَقْلِهِ عَلَى أَنَّهُ

 أَرْضِيٌّ وَلاَ بُدَّ مِنْ أَنْ

يَتَعَاطَى أَحْلاَمَ الطِّينِيينَ فِي المَالِ وَالرَّغْبَةِ وَالشَّهْوَةِ وَالوَجَاهَةِ

 وَالرِّئاسَةِ؛وَلَكِنَّهُ وَاللهِ

مَا أَجَادَ ذلِكَ؛قَضَاهَا مُعَانِقَاً لِصَحَائِفِهِ يَبُثُّ عَلَى وُجُوهِهِا وَجَعَهُ 

وَآلاَمَ دَرْبِهِ وَحَسْرَةً

بِالكَبِدِ مَا تَزَالُ تَجِيشُ وَتَطِيشُ؛وَكَم حَادَثَ ضَمِيرَهُ يَدْعُوهُ إِلَى 

نِسْيَانِ مَا قَـد كَانَ

مِنْ ذِكْرَى قِصَّةٍ نَقِيَّةٍ قَـد مَاتَت فِي الزَّمَنِ القَدِيمِ وَالتَّغَاضِي

 عَنْ تَقْرِيحِ ذنْبٍ وَتَجْرِيحِ

إِثـْمٍ فِي زَمَنٍ يَضِجُّ بِرُوَّادِ الكَبَائِرِ وَالخَطِيئةِ؛وَلَكِنَّهُ وَاللهِ مَا

أَجَادَ ذلِكَ؛وَمَا كَانَ هَذا إِلاَّ

لأَنِّي بِتُّ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ القَدَرَ أَرَادَ فِي أَمْرِي مَا أَعْلَمُهُ

مِمَّا دَلَّت عَلَيْهِ حُظُوظِي

وَأَنَّ الأَسْفَارَ الَّتِي أُخَلِّفُهَا هِىَ غَايَةُ حِكَايَةٍ مَا زَالَت تَنْبِضُ

وَتَحُسُّ وَتَشْعُرُ وَتَرْغَبُ؛

وَهِىَ حِكَايَةٌ حَيَّةٌ فِي نَفْسِهَا؛وَلَكِنَّهَا مَيِّتَةٌ بَيْنَ الخَلاَئِقِ إِذ انْتَفَت

 أَسْبَابُ الحَيَاةِ مِنْهَا

وَإِنْ ظَلَّ الخَيَالُ قَائِمَاً يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهِ !

سَمِعَ الخَلِيُّ تَأَوُّهِي فَتَلَفَّتَا

وَأَصَابَهُ عَجَبٌ؛فَقَالَ مَنْ الفَتَى ؟!

فَأَجَبْتُهُ إِنِّي امْرِؤٌ لَعِبَ الأَسَى 

بِفُؤادِهِ يَوْمَ النَّوَى فَتَشَتَّتَا 

اُنْظُرْ إِلَىَّ تَجِدْ خَيَالاً بَالِيَاً 

تَحْتَ الثيَابِ؛يَكَادُ أَلاَّ يُنْعَتَا 

ـ البَارُودِي ـ 

مَارَسْتُ الحَيَاةَ؛فَرَأَيْتُنِي نُصْحَاً وَرَأَوْنِي قَرْحَاً؛لأَنِّي كَرِهْتُ 

حُضُورَهُم الَّذِي

لاَ يُسْعِدُ عَقْلاً وَلاَ يُدَاوِي رُوحَاً وَلاَ يُطِبُّ وُجْدَانَاً؛فَكَرِهُوا

 وُجُودِي؛كَانُوا يُرِيدُونَ

أَنْ أُنَافِقَ؛فَاعْتَزَلْتُهُم؛لأَنَّهُم يُرِيدُونَ ذلِكَ !

كَابَرْتُ عَـلَى المُتَـكَـبِّرِينَ؛فَاصْطَـنَعُوا تَوَاضُـعَ الشَّيَاطِينِ؛

وَقَالُوا مُتَكَبِّرٌ غَلِيظٌ

طَبْعُهُ لَوْ حَارَبْنَاهُ وَقَهَرْنَا صَلَفَهُ لاَرْتَدَعَ؛فَحَارَبْتُهم حَتَّى إِذا

 مَا أَظْهَرْتُ عَوَارَهُم

وَأَبَنْتُ عَنْ حَقِيقَةِ التُّهْمَةِ المَعْكُوسَةِ؛انْصَرَفْتُ بَعِيدَاً أَتَمَادَى

مَعَ كِبْرِي وَتَرَكْتُهُم يُعَظِّمُونَ

عُرُوشَ تَوَاضُعُهِم؛لأَنَّهُم يُرِيدُونَ ذلِكَ !

تَعَشَّقْتُ حَـتَّى كَـأَنَّهَا الأَيَّامُ لاَ تُجِيدُ سِوَاهُ؛وَلَكِنِّي مَا رَكِبْتُ

الخَطِيئةَ الَّتِي

تَسْتَأْهِلُ حَدَّ اللهِ المُوجِبِ لِلتَّطْهِيرِ مِنْ جُرْمِ الكَبِيرَةِ وَهِىَ

 جَلْدُ العَزَبِ فَخَلَّدتُ أَلْفَاظَ

عِشْقِي وَإِنْ مَاتَ وَلَـمْ أُدَنِّس جَسَدِي؛وَهُـمْ قَارَفُوا الخَطَايَا 

وَاسْتَعْمَرُوا أَجْسَادَ النِّسَاءِ

وَاقْتَحَمُوا إِلَى الأَعْرَاضِ وَمَا عَرِفُوا عِشْقَاً وَلاَ هَوَىً؛ثـُمَّ أَذاعُوا 

فِي النَّاسِ مَقَالاَتٍ عَنِ

الطُّهْرِ وَالفَضِيلَةِ ثـُمَّ وَسَمُونِي بِمَا فِيهِم؛فَلَمَّا رُمْتُ نِضَالَهُم 

خَسِرْتُ فِي مَوْقِعَةٍ

عَوَّلْتُ فِيهَا عَلَى وُضُوحِ المُوَاجَهَةِ وَاعْتَمَدُوا هُم عَلَى وَقَاحَةِ 

حَرْبِ الخَفَاءِ؛فَلَذتُ

بِالصَّمْتِ وَتَرَكْتُهُم يَتَبَخْتَرُونَ فِي أَثوَابِ النَّقَاءِ وَالقَدَاسَةِ؛وَقُلْتُ 

لَهُم هَا أَنَا قَـد رَحْلَتُ

بِجَرَائِمِي وَخَلَّيْتُ لَكُم طُهْرَكُم؛لأَنَّهُم يُرِيدُونَ ذلِكَ !

فَلَمَّا ضَمَّنِي اللَّيْلُ بَيْنَ جَنَاحَيْهِ سَأَلَنِي:مِمَّا تُعَانِي ؟؛فَقُلْتُ:

لاَ شَيْء؛فَقَالَ:

مَنْ آذاكَ ؟؛فَأَجَبْتُ:أَنَا مَنْ آذيْتُ نَفْسِي؛فَقَالَ:فَمَا تُؤمِّلُ بَعْدَ

 كُلِّ ذلِكَ الَّذِي قَـد كَانَ ؟!؛

فَقُلْتُ:أَنْ أُدَبِّجَ أَوْجَاعَ نَفْسٍ فَوْقَ ظَهْرِ طِرْسٍ؛وَأَلاَّ يُعْجِزَنِي 

شَرْحِي عَنْ بَيَانِ بُرْكَانِ

جُرْحِي !

وَبَقِيتُ أَتَسَلَّى بِقَوْلِ الشَّاعِرِ الأَنْدَلُسِيِّ حَيْدَر بْنِ سُلَيْمَان الحِلِّيِّ:

يَا غَمْرَةً مَنْ لَنَا بِمَعْبَرِهَا
 
مَوَارِدُ المَـوْتِ دُونَ مَصْدَرِهَا 

يَطْفَحُ مَوْجُ البِلاَ الخَطِيرِ بِهَا

فَيَغْرَقُ العَقْلُ فِي تَصَوُّرِهَا 

وَشِـدَّةٌ عِنْدَمَا انْتَهَتْ عِظَمَاً 

شَـدَائِدُ الدَّهْرِ مَعْ تَكَثـُّرِهَا

ضَاقَت وَلَـمْ يَأْتِهَا مُفَرِّجُهَا 

فَجَاشَتْ النَّفْسُ فِي تَحَيُّرِهَا 

الآنَ رِجْسُ الضِّلاَلَةِ اسْتَغْرَقَ

الأَرْضَ فَضَجَّتْ إِلَى مُطَهِّرِهَا 

وَمِلَّةُ اللهِ غُيِّرَتْ فَغَدَتْ 

تَصْرُخُ للهِ مِـنْ مُغَيِّرِهَا 

مَنْ مُخْبِرِي وَالنُّفُوسُ عَاتِبَةٌ 

مَاذا يُؤدِّي لِسَانُ مُخْبِرِهَا ؟!


محمد دحروج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق