ومضة : التناص هذه الجمالية المهجورة
بقلم / شاهين دواجي/الجزائر
- يطيب لي اليوم أن أتكلم عن جمالية هي مما يحمد منظروا النقد النسقي عليه من حيث إنها أضحت "حركية" الأدب المعاصر بما أضفته من توالد جميل لتشكيلات تتسم بالجدة والابتكار ؟
- ولن أخوض في تعريفات النقاد لهذه الظاهرة إذ لاتتسع الومضة لسرد الكل وسأكتفي بتعريف يتفق عليه – من وجهة نظري - جمهور النقاد هو تعريف أستاذنا د: محمد عزام حين رأى أن التناص "هو تشكيل نص جديد من نصوص سابقة وخلاصة لنصوص تماهت فيما بينها فلم يبق منها إلاّ الأثر" وإذن فهو يشير إلى عملية إنتاجية تتم بتحويل نص ما إلى عدة نصوص ... وهو هنا يبرر شرعية هذه العملية الأنتاجية ( التناص) مرتكزا على أطروحات البنيوية التصويرية التي تعتقد بـ: " موت المؤلف " ومن ثم كان نصه كيانا شرعيا مستقلا عنه ...فهو يستمد شرعيته من نفسه حيث العلاقة بينه ( النص) وبين مؤلفه لا تعدو أن تكون علاقة تجاورية ...
- ويعجبني هنا ما يقرره أستاذنا د: عبد الملك مرتاض في " نظرية النقد " حين جعل النص شبيها بـ: "النطفة " التي ينشأ عنها الوليد ..." وهذا الوليد ليس بالضرورة أن يحمل كل صفات أبيه " وهو يشير بذكائه المعهود أن النص هو حمى متباح "لللآخر" يشكل منه ما شاء من نصوص .
- لن أسهب هنا في رصف مصطلحات قد تمجها الأسماع التي لم تتعودها إذ غرضي أن أبين عن هذه الجمالية بأقل قدر من الكلمات ولن يكون هذا إلا بضرب مثال عملي كما سنرى :
- النص الأول /يقول المتنبي :
* الخيـل والليـل والبيـداء تعرفنـي " " والسيف والرمح والقرطاس و القلـم
* انام ملء جفونـي عـن شواردهـا " " ويسهر الخلـق جراهـا و يختصـم
- النص الثاني / يقول حازم التميمي :
* فالليـل والبيـداء بـعـض معـارفـي ***والسيف والقرطاس مـن اشيائـي
* وانام ملئ الجفـن حيـث شـواردي ***نـهــبٌ لـكــل قـصـيــدة عـصـمــاء
- بين أيدينا الآن نصان بينهما حقب وحقب ... المفردات تقريبا نفسها ونقول نفس الشيء بالنسبة للدلالة، فأين الجمال هنا؟ ولنقلها صراحة : ما " تمظهرات " التناص في نص حازم التميمي ؟
- لابد هنا أن نشير إلى ذكاء هذا العراقي العريق فقد أخذ طينة المتنبي وشكل منها تحفة جميلة حين " خفف " من نرجسية المتنبي : الذي زعم- بتعاليه المعروف- أن الكل يعرف مقامه حتى الجماد الذي لا يعقل أما هو (حازم) فقال : بعض معارفي . هذه واحدة .
- أما الثانية : حين خالف "كليا " نرجسية المتنبي الذي اختصم الناس في شوارد قصائده لألقها أما هو (حازم ) فقصائده لا يسهر الناس جراءها إنما " ينهبونها " وهو مدح مبطن لقصائده تفوق فيه على المتنبي مع المخالفة الظاهرة .
- ما أردت قوله : أن النصوص القديمة لا زالت تمثل معينا لا ينضب للشعراء في هذا العصر فلا يمكن أن أتخيل شاعرا ينبغ دون أن يكون له رصيد من قديم الشعر العربي وهذا الذي يفسر غياب " الشعرية " في النصوص الحديثة إذ لا يعدو أغلبها أن يكون افعالا بفعل " ليلى " أو" سعدى " أو " أمنية " حالمة تحاول أن تطال سحاب الأبداع دون جدوى.
شاهين دواجي / الجزائر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق