فَـتَـاةُ الأَكَـمَـةِ
(( إِنَّ وَرَاءَ الأَكَمَةِ مَا وَرَاءَهَا ))
وَأَصْلُ هَـذا المَثلِ أَنَّ أَمَـةً وَاعَـدَت صَدِيقَهَا أَنْ تَأْتِيهِ وَرَاءَ الأَكَـمَةِ إِذا فَرَغَت
مِنْ مِهْنَةِ أَهْلِهَا لَيْلاً؛فَشَغَلُوهَا عَنْ مَوْعِدِهَا بِكَثرَةِ مَا أَوْجَبُوا عَلَيْهَا مِنْ عَمَلٍ؛ فَلَمَّا
غَلَبَهَا الحَنِينُ لِصَاحِبِ المَوْعِدِ قَالَت:(( حَبَسْتُونِي وَإِنَّ وَرَاءَ الأَكَمَةِ مَا وَرَاءَهَا )) !
وَأَبْدَأُ الآنَ فِي ذِكْـرِ قِـصَّةٍ أُخْرَى وَقَعَـت أَحْدَاثـُهَا فِي سَنَةِ 2009 م؛هُـنَاكَ
فِي قَلْبِ أَرْضٍ تُوغِلُ فِي شِمََالِ دِيَارِ مِصْرَ؛وَلَيْلُ الشِّتَاءِ حَالِمٌ؛وَالرِّيحُ مُوَادِعَةٌ؛
كُنْتُ قَـد سَئمْتُ مِنْ جُلُوسِي بَيْنَ الكُتُبِ فَخَرْجُتُ أَتَنَسَّمُ الرِّيحَ الحَزِينَ أُحَادِثُ نَفْسِي
عَنْ ذِكْرَى كَانَت أَوْ أَمَلٍ يُشْتَهَى؛الخَطْوُ هَادِيءٌ وَأَنَا هُنَاكَ فِي طَرَفِ البَيْتِ مِنْ
نَاحِيَةِ الحَارَةِ العَتِيقَةِ؛كُنْتُ وَحْدِي أَسِيرُ وَقَـد خَلَت هَذِهِ الجِهَةُ مِنَ العَابرِينَ؛وَلِلرِّيحِ
طَعْمٌ عَلَى لِسَانِ رُوحِي كُلَّمَا تَذوَّقْتُهُ أَخَذنِي حَنِينٌ إِلَى شَيْءٍ جَمِيلٍ غَيْرَ أَنِّي لَسْتُ
أَدْرِيهِ؛كُنْتُ أَضَعُ يَدَيّ خَلْفَ قَمِيصِي وَأَخْطُو مُطْرِقَاً أَرُوحُ وَأَجِيءُ أُفَكِّرُ فِيمَا لاَ أَعْرِفُ
غَيْرَ أَنَّ سِحْرَ الحَالَةِ كَمْ كَانَ بَدِيعَاً؛ وَسَمِعْتُ هَمْسَاً فِي الجِهَةِ الأُخْرَى يَأْتِي مِنَ الزُّقَاقِ
الصَّغِيرِ؛هُوَ صَوْتُ أُنْثى تُوَدِّعُ صَدِيقَةً لَهَا؛كَانَ الضَّوْءُ خَافِتَاً فِي هَذِهِ الجِهَةِ؛فَرَفَعْتُ
وَجْهِي قَلِيلاً أَتَأَمَّلُ؛فَوَاللهِ لَقَد سَمِعْتُهَا تَهْمِسُ لِصَاحِبَتِهَا وَالرِّيحُ حَمَّالَةٌ لِلصَّوْتِ:مَنْ
هَذا الَّذِي يَسِيرُ وَحْدَهُ هُنَاكَ ؟!؛فَأَجَابَتْهَا:هَذا فُلاَنٌ؛فَتَأَمَّلْتُ مُصَوِّبَاً بَصَرَي فَالْتَقَت
الوُجُوهُ عَلَى ابْتِعَادِ المَسَافَةِ؛وَعَرِفْتُ أَنَّهَا الفَتَاةُ الرَّائِعَةُ الجَمَالِ الَّتِي جَاءَت بِرُفْقَةِ زَوْجِهَا
لِلْعَيْشِ فِي هَذِهِ المَنْطِقَةِ الهَادِئةِ؛ثـُمَّ عُدتُ إِلَى حَالَتِي الأُولَى وَاتَّجَهْتُ عَائِدَاً إِلَى دَارِنَا
وَأَنَا عَلَى يَقِينٍ مِمَّا يَكُونُ فِي الغَدِ؛وَمَا حَدَّثتْنِي نَفْسِي أَبَدَاً بِشَيْءٍ إِلاَّ وَعَلِمْتُ أَنَّهُ يَكُونُ؛
وَكَانَ الأَمْرُ الَّذِي عَلِمْتُ أَنَّهُ يَقَعُ؛ففِي عَصْرِ بَعْضِ الأَيَّامِ كُنْتُ أَقِفُ تَحْتَ شَجَرَةٍ بِأَوِّلِ
الحَارَةِ؛وَفَجْأَةً وَجَدتُهَا تَخْرُجُ مِنَ الدَّرْبِ؛فَالْتَفَتُّ بِوَجْهِي إِلَى الجِهَةِ المُقَابِلَةِ وَأَيْقَنْتُ أَنَّهَا
لَنْ تَعْبُرَ فِي صَمْتٍ؛فَلَمَّا اقْتَرَبَت مِنِّي؛سَمِعْتُ صَوْتَهَا يَهْمِسُ:كَيْفَ أَنْتَ يَا مُحَمَّد ؟!؛
فَأَجَبْتُهَا وَقَـد صَوَّبْتُ عَيْنِي فِي هُدُوءٍ نَحْوَ خَارِطَةِ وَجْهِهَا أُجَمِّعُ هَيئةَ مَلاَمِحِهَا:بِخَيْرٍ
يَا مُنَى؛أَلَكِ حَاجَةٌ ؟!؛فَسَأَلَتْنِي شَيئاً مِنْ أُمُورِ الحَيَاةِ فَأَجَبْتُهَا يَكُونُ ذلِكَ؛وَمَرَّت الأَيَّامُ؛
وَكَانَ مَا كَانَ؛وَكُنَّا عَلَى عِلْمٍ بِسُوءِ مُعَامَلَةِ صَاحِبِهَا ـ زَوْجِهَا ـ لَهَا بِصُورَةٍ لاَ تُحْتَمَلُ؛
وَإِذا كَانَت المَرْأَةُ وَالحَالَةُ هَذِهِ وَكَانَت فِي أَوْجِ ذرْوَتِهَا وَهِىَ فِي الرَّابِعَةِ وَالعِشْرِينَ
وَقَـد شَغَفَت كُلَّ النَّاسِ بِجَمَالِ قَسَمَاتِهَا وَسِحْرِ تَكْوِينِهَا ثـُمَّ انْتَبَهَت إِلَى شَابٍّ فِي الثامِنَةِ
وَالعِشْرِينَ قَـد عَاشَ أَجْمَلَ أَيَّامِ شَبَابِهِ بَيْنَ الكُتُبِ وَالأَسْفَارِ القَدِيمَةِ ثـُمَّ خَرَجَ إِلَى العَالَمِ
فَجْأَةً وَلَهُ قَلْبٌ يَحُنُّ كَالحَمَائِمِ وَيَرِقُّ كَمَا تَرِقُّ الظَّبْيُ وَلَهُ نَفْسُ حَالِمٍ يَعِيشُ فِي الخَيَالِ؛
فَقَد وَقَعَت المِحْنَةُ وَصَادَتهُ شِبَاكُ الأُنْثى الَّتِي حَظِيَت بِكُلِّ مَعْنَىً مِنْ مَعَانِي الأُنْثى؛
وَكَانَ مَا كَانَ؛وَتَعَشَّقَهَا حَتَّى ذابَ فِيهَا؛وَتَعَشَّقَتْهُ ـ ظَنَّ ـ؛وَمَا زَالَ يَنْتَظِرُ فِرَاقَهَا وَطَلاَقَهَا
مِنْ فَتَىً جَعَلَهَا مَوِْضِعَاً لأَطْمَاعِ الطَّامِعِينَ؛وَطَالَت الأَيَّامُ؛إِلَى أَنْ كَانَ يَوْمٌ؛وَبَيْنَا هُوَ سَائِرٌ
فِي الطَّرِيقِ إِذ رَآهَا؛فَاسْتَوْقَفَهَا؛ثـُمَّ بَغَتَهَا بِسُؤالِهِ:أَرَاضِيَةٌ مَعَ زَوْجِكِ أَمْ أَنْتَظِرُكِ ؟!؛
فَأَجَابَتْهُ:لَسْتُ بِرَاضِيَةٍ وَلَكِنِّي لاَ أُرِيدُكَ زَوَاجَاً؛فَأُقْسِمُ بِاللهِ لَقَد اضْطَرَبَت نَفْسِي وَسَأَلْتُهَا
فِي دَهَشٍ: وَكَيْفَ يَكُونُ ذلِكَ ؟!؛فَقَالَت:لَنْ تَفْهَمَنِي !؛فَأَطْرَقْتُ إِطْرَاقَةَ الذلِّ وَالخَيْبَةِ
وَمَضَيْتُ وَالحَسْرَةُ قَـد طَوَّقَت خَاصِرَةَ خَاطِرِي؛وَمَا هِىَ سِوَى أَيَّامٍ حَتَّى غَادَرَت
بِرُفْقَةِ زُوْجِهَا؛فَللهِ هِىَ؛سَامَحَهَا اللهُ؛وَبِرَبِّي مَا كُنْتُ أَدْرِي أَنَّ إِرَادَتَهَا تَتَّجِهُ إِلَى هَذِهِ
الجِهَةِ؛وَرَحَلَت إِلَى عَالَمِهَا مَا أَصَبْتُ مِنْهَا مَا يُغْضِبُ رَبِّي؛وَعَافَانِي اللهُ؛وَبَقِيَت
هِىَ ذِكْرَى مَا زِلْتُ وَاللهُ أَدْعُو لِصَاحِبَتِهَا !
وَرَحِمَ اللهُ الشَّرِيفَ المُرْتَضى:
عَثرْتُ وَلَوْلاَ انْتِياشُ الإِلَهِ
لَكُنْتُ صَرِيعَ رَدَى عَثرَتِي
وَأَخْرَجَنِي اللهُ مِنْ قَعْرِهَا
وَقَـد كُنْتُ صِرْتُ إِلَى اللُّجَّةِ
عَلَى حِينِ سَاءَت بِنَفْسِي الظُّنُونُ

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق