فائق شكري وتقديري للأستاذ الناقد شاهين دواجي
البعد المادي في نص "الأنثى" لجميلة عطوي / قراءة سوسيولوجية
نص : الأنثى للأديبة جميلة عطوي
ألفت أن تنتعل أشواك الدَرب المُسيَج فحياتها سباق مع أشعَة النَور الأولى
ومساؤها لملمة لشظايا الغروب…تلك حياتها،عود على بدء حتَى
نسيت كيانها أو كادت …هي حركة دؤوب بين فضاءين : قطعة أرض
تؤمَن العيش ومنزل بسيط تأوي إليه.وهي بذلك قانعة فلا يعلو لها صوت
ولا يُرفع بصر.
قالوا لها أنت الملكة فصدَقت وتحمَلت أوزار الرَاعي الأمبن حتَى
لا يتذمَر فرد من الرَعية.
هذا الصَباح وهي تحفَز الجهد شدَها مشهد ولأوَل مرَة يحيد بصرها
عن الدرب المسطور …فتاة تركض وخلفها رجل يكيل الشَتائم
ولا يتوانى عن الضَرب والرَكل كلَما أتيحت له الفرصة…تقولين
لا؟ منذ متى يجقَ للأنثى أن تقعل ذلك؟
دقَ قلبها بضراوة …الأنثى ….الحقَ….
اصطكَت ركبتاها…يا للهول…ضمَت قيضتيها في حين
سرح بصرها خلف غيمة تراقص عناقيد الضَياء.
جميلة عطوي
تونس
- تعتبر الأستاذة جميلة عطوي من الأديبات اللواتي لمعن في المدة الأخيرة ذلك أن نصوصها تملك بصمة أسلوبية خاصة هي بصمتها كما أنها تمتلك التنوع في نصوصها الذي يفرض على القراء متابعتها .
- هذه أول مرة يتعذر علي تصنيف نص وإحالته الى مرجعيته الفكرية ذلك أن هذا النص – أقصد نص الأنثى- مكتوب بطريقة الومضات الرشيقة إذ هو مزيج من الوجودية السوداوية و الرومانسية الحالمة والواقعية المتجذرة في كيان المجتمع وهو بعد هذا ملمح جمالي أصيل .
- غير أن التصنيف من وجهة نظرالحداثة لم يعد مشكلا ذا أهمية فقد حسمه النقد حين جعل ظابطه : ما غلب على النص من ملمح . من هنا رأيت أن أصنف هذا التشكيل في زاوية الأدب الأجتماعي .
- بعد ظهور الماركسية وروافدها من الفلسفات المادية دعا بعض الأدباء " الفلاسفة " الى نقل الأدب من زاوية معالجة خلجات النفس والتباكي والعشق وغيرها - مما يكرس ذاتية الأدب - الى زاوية مغايرة حيث تنزل النصوص الأدبية لتتخلل واقع المجتمع لتعيش مع أفراده فتقوم وتبني وتهدم وتقنن.......... ووو....... فالأدب عندهم في سبيل الحياة وهذه النظرة نظرة أثرت في الفعل الأدبي ولا زالت تؤثر لا ننسى هنا الكم الهائل من الروايات الواقعية التي غزت المشرق والمغرب منتصف هذا القرن وجعلت تلك الحقبة من الزمن حقبة ذهبية لا تتكرر.
- النص الذي بين يدي لايمكن أن نصنفه – كماقلت – لأننا – وإن أقنعنا أنفسنا - أنه من الأدب الإجتماعي فإن ذاتيته الطافحة تكذبنا لهذا قلت سنكتفي بقراءة من زاوية الملمح الغالب وهذا أيضا يمكن أن يقول فيه الحذاق كلاما وجيها.
يوحي عنوان النص بزخم دلالي موحي على عدة مستويا ت : فالأنثى فضاء رمزي يمكن للتأويل أن ينزله عدة منازل :
الأنثى:ــــــــ الحبيبة / الوطن / الأم .....
أما الأديبة فستستعمله في مستويات عدة كما سنرى .
- النص "قصة "واقعية بامتياز تحكي قصة أنثى ريفية تعيش تحت قهر الذكر الشرقي حيث تجهد نفسها بكل ما تقوم به إيناث الريف من مشاق العمل الدؤوب .... غير أنها لا تجني من هذا سوى الإذلال هذه هي القصة باختصار ؟
- ولا يمكننا أن نبين عن سوسيولوجية هذا النص ما لم نتوسل "التأويل " حيث أن هناك مساحات واسعة "مسكوت عنها" لا سبيل الى سبر اغوارها إذا بقينا متأملين سطحية النص .
- صورة المرأة في النص :
قلت : النص يعالج مشكلة المرأة في المجتمع الشرقي هذه المرأة التي رسمت لها الأديبة صورة يعرفها كل من سكن المجتمعات المتخلفة ...:
فهذه الأنثى أنثى ريفية محرومة من التعليم والحضارة لذلك كانت درب حياتها مفروشا بالأشواك : ألفت أن تنتعل أشواك الدَرب.... وهي تحاول عبثا أن تستدرك ما ضاع من العمر حيث تصحو هذه الأنثى في لحظة صدق مع نفسها لتجد أنوثتها قد ضاعت :
** تلك حياتها،عود على بدء حتَى
نسيت كيانها أو كادت …
- تعيش هذه الانثى في سجن نسميه مجازا * الزوجية* حيث تمارس مظاهر الزوجية
لاغير :
فلا يعلو لها صوت
ولا يُرفع بصر
- شيء فظيع أن تعيش الغربة مع أقرب الناس إليك فظيع أن تنقلب المفاهيم رأسا على عقب فالزوجية هذه الرابطة المقدسة استحالت سجنا يأوي أنثى وبعدها تتشدق الغيد في المناسبات أنهن متزوجات ؟؟
- وما ذا عسى هذه المسكينة أن تفعل وقد رسخو في مهجتها قداسة الزواج دون أن يعلموها بتبعاته :
قالوا لها أنت الملكة فصدَقت.....
- لاتستطيع هذه المسكينة أن يحيد بصرها عن هذا الجلاد عن هذا الذي نسميه *القوام *
لابد وأن تحبه رغما عنها بل المطلوب أن تحبه رغما عنها حتي تترك له فرصة أن يمارس رجولته الواهمة ؟ ويوما ما .... حاد بصرها برهة ولا ليته لم يحد ..... أختها في الشقاء الأبدي تركض .... هاربة ممن نسميه زوجا وشريك العمر .... هذه المسكينة... تضرب باسم الزوجية... وتركل باسم الزوجية ... لأنها ارتكبت جريمة وقالت لأول مرة كلمة من حرفين : ** لا ** أف لزوجية هكذا... وأف لمن لم تتعلم... وأف لمن حرم الأنثى من التنوير....
لا تملك هذه اللانثى غيرالصمت والعويل العاجزين :
دقَ قلبها بضراوة …الأنثى ….الحقَ….
اصطكَت ركبتاها…يا للهول…ضمَت قيضتيها ...
- لكنها وعت مصيرها..... وعت واقعها... لذلك عزمت على الخروج من هذا السجن : لأن علو الغيم وعناقيد الضياء أخبرتها أن هذا ليس قدرا كونيا وانه يمكن تغييره :
سرح بصرها خلف غيمة تراقص عناقيد الضَياء.
- النص كما نرى بحث أجتماعي بامتياز يقدم لنا مشاهد درامية مأساوية لحالة الأنثى التي حرمت من التعليم في المجتمعات المتخلفة ومن هنا تتوالى مصائب هذه الأنثى- وهو المساحة المسكوت عنها والتي كنا قد أشرنا اليها في البداية – قلت تتوالى مصائب هذه الأنثى من قهر وزواج مبكر وعمل شاق وطفولة محرومة و أنوثة مغتصبة و,,,,,و
وفي خضم هذا تسلط الضوء على الذهنية الذكورية الشرقية التي تتخذ من المرأة معينا على الحياة في أحسن حالاتها متناسية أن المودة التي جاءت بها الشريعة جعلت بعض النساء يفتين في عظائم الأمور كالحرب والسلم وأن رجلا كالشافعي مثلا ظل تلميذا للسيدة نفيسة لا يرفع بصره إليها إجلالا لها ؟؟؟
- ضمخت الأديبة نصها بمجموعة من التقنيات من أجل أن توصل الدلالات في يسر الى القلوب وأولها :
- المعجم : معجم بلون القتامة والسواد والذل يصيب النفس بالغثيان لنستمع : الشوك /
اللملمة /الركل / الشظايا / النسيان/ تحملت / الراعي / الجهد/ اصطكت / الهول .....
- المشاهد : مكمن الجمال في هذا النص أن العملية الإبداعية فيه تنبني علي مشاهد قليلة هي ومضات لكنها تحيل على فلم سينيمائي بامتياز فهي تحكي قصة انسانية هي قصة كل أنثى في العالم المتخلف كما أبين بعد برهة :
- مشهد الأنثى المقهورة : تنتعل أشواك الدَرب/ ومساؤها لملمة لشظايا الغروب/ تحمَلت أوزار الرَاعي / فلا يعلو لها صوت ولا يُرفع بصر..
- مشهد الفقر:: قطعة أرض تؤمَن العيش ومنزل بسيط تأوي إليه /هذا الصَباح وهي تحفَز الجهد شدَها مشهد...
- لانزعم هنا في هذا النص أننا قبضنا على كل الدلالات فهذا يستحيل عند أهل النهي ولكننا نزعم أننا بينا جزءا مسكوتا عنه في هذا النص هو الجانب الإجتماعي فيه ولا أفشي سرا إذا قلت أن هذا النص ومنذ ان وقع بين يدي هزني هزة عنيفة حيث رجع بي الى سنوات طفولتي الأولى حيث الكثيرمن المشاهد التي أوردتها الأديبة - مشاهد قهر الأنثى-
كانت جزءا من حياتي وتركت ترسباتها في نفسي الى الآن .
- هذا النص رسالة من أنثى أم مربية فاضلة لأبنائها وبناتها أن تكون المعاملة بينهم حضارية ليستفيد الكل على بساط الإنسانية والدين ويستفيد الوطن من أبنائه الذين يعرفون معنى التعامل الحضاري وهنا أعود أدراجي الى بداية هذه القراءة لأبرر عذري في عدم استطاعتي تصنيف هذا النص فكما ترون في كل مرة أحاول القبض على معنى من المعاني الا وتتوهني الدلالات الفارهة ولا أدل على ذلك من أنني بدأت باحثا عن ملمح سوسيولوجي فانتهيت الى ملمح " حكمي " أصيل تزفه هذه المربية الى الاجيال .
أخوكم شاهين دواجي /الجزائر

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق