( نقيب البؤساء )
" قصة قصيرة "
_____
- كان عبد الحميد قد ولد فى أسرة تعانى فقرا مدقعا ،
اذا وجدت طعامها فى الصباح لا تجدة فى المساء ،
لكنة حفظ القرأن الكريم فى طفولتة ، ثم التحق بالأرهر الشريف
طالبا للعلم ، ثم أكمل دراستة فى دار العلوم ، وهام بة الأسى
والبؤس حتى كأنة عبلة والبؤس عنتر ، كان عبد الحميد عبقريا
وموهوبا ، لكنة كان يعانى " بؤسا عبقريا " أحاط بة منذ لحظة
ميلادة الأولى حتى لحدة ،فهو الجائع الذى لا يجد طعاما ،
الذى اذا مرض لا يجد الدواء ، وهو الذى اذا اتسخ قميصة
يقلبة على الوجة الأخر وكذا بنطلونة ، وهو الذى عاش
حياتة تنغلق فى وجهة كل الأبواب ، ذاق الجوع وتجرع ألامة المريرة ،
لدرجة أنة كان ينام ليالى عمرة على الأرض الجرداء لا يعرف فراشا
ولا وسادة ، بل وفى أكثر الأيام بلا غطاء أيضا ، عانى عبد الحميد الفقر
والحرمان بأبشع حالاتة ، وقدساء ظنة فى العباد جميعهم فأجمع
أمرة فى العداء ، فنسى اسمة وحظة والليالى وعاش على التوهم والخيال
، فساقتة ظروفة القاسية الى ادمان الكوكايين الذى ساقة الى السجن ،
ولما أراد أن يعالج نفسة من الأدمان لم يجد غير مستشفى الأمراض العقلية ،
فقضى بها بضعة أشهر حتى شفى مما ألم بة ، وخرج الى الحياة
واضطرتة ظروفة القاسية هذة المرة الى أن يتزوج من امرأة بائعة
بسوق الخضار كى تصرف علية ، وبرغم فارق السن والمستوى
العلمى الشاسع بينة وبينها فأنة أراد أن يدفع بها عن نفسة ألام الجوع
ومخالب البرد ، وبرغم ذلك فلم تمكث معة الا عدة شهور حالت بينة
وبين الجوع ، الا أنها أذاقتة صنوفا أخرى من العذاب النفسانى الذى
فاق عذاب الحوع ، طال حنين عبد الحميد الى الغنى فالكل جهل
يومة ولن يكرموا غدة ويا حر قلبة من شقائة فى أمسة ،
فأضطرتة ظروفة هذة أن يمتدح ذوى الجاة والسلطان الذين كان ينفر منهم ،
الا أنة كان يفعل ذلك تحت وطأة الفقر والجوع والحاجة ، فقد وصل بة
البؤس درجة جعلتة يشك فى وجودة فيقول أخلقتنى يارب أم أنا واهم
أنا ما خلقت لأننى لا أرزق ، كان حلم عبد الحميد أن يجد حجرة يستتر
فيها بدلا من التسكع فى الطرقات ، وعلى دكك المقاهى والمساجد ،
وأحيانا على الأرصفة ، وتحققت لة أمنيتة هذة على يد دجال مشعوذ ،
فعمل مساعدا لة ، يستقبل زبائنة ، ويمتدح الشيخ أمامهم ، ويسرق منهم
أخبارهم ثم يسربها الى الدجال ... وهكذا ، تعرف على أحد زبائن
ومريدى الشيخ ووعدة هذا الذائر بمكافأة بتحقيق أغلى أمنية لة
فى حياتة وهى " وظيفة " ، حيث كان هذا الذائر من ذوى الجاة
والسلطان ، وبالفعل حقق لة أمنيتة، لكنهم طلبو منه مسوغات التعيين ،
ولم يكن لدية شئ فهو ان كان يحمل مؤهل فهو الجوع والعطل ،
ثم تدخل هذا الذائر واستطاع اعفاؤة من المسوغات واستلم عملة لكنة
فوجئ بأن ليس لة مكتب ، ولا حتى كرسى يجلس علية ، بالأمس
كان مشرد أهليا وهاهو اليوم وبعد استلام عملة أصبح مشردا رسميا
فخاطب المسئولين ، وحينما تحقق لة ما أراد ، وأصبح لة مكتب وكرسى ،
مات عبد الحميد نقيب الؤساء .
** - لم يخلق الحزن الا فى جوانحنا .......... ولا المدامع الا فى مأقينا
- لو ذاق هذى الورى معشار محنتنا .......... ما فارقوا عيشهم دنيا ولا دينا
- أفى حجرتى يارب أم أنا فى لحدى .......... ألا شد ما ألقى من الزمن الوغد
- لكم كنت أرجو حجرة فأصبتها .......... بناء قديم العهد أضيق من لحدى
- ترانى بها كل الأثاث ، فمعطفى .......... فراش لنومى أم وقاء من البرد
- أما وسادتى بها فجرائد .......... تجدد اذا تبلى على حجر صلد
- تساكننى فيها الأفاعى جريئة .......... وفى جوها الأمراض تفتك أو تعدى
- أنا الغريب على الدنيا فعالمها .......... أعدى عدوى يهجونى وأهجوة
( نقيب الؤساء )
بقلم
- سليمان شلتوت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق