كاتب

كاتب

الاثنين، 29 فبراير 2016

( نقيب البؤساء ) *** بقلم - سليمان شلتوت

 ( نقيب البؤساء ) 


" قصة قصيرة "
_____

- كان عبد الحميد قد ولد فى أسرة تعانى فقرا مدقعا ،

 اذا وجدت طعامها فى الصباح لا تجدة فى المساء ،

 لكنة حفظ القرأن الكريم فى طفولتة ، ثم التحق بالأرهر الشريف

طالبا للعلم ، ثم أكمل دراستة فى دار العلوم ، وهام بة الأسى

 والبؤس حتى كأنة عبلة والبؤس عنتر ، كان عبد الحميد عبقريا

وموهوبا ، لكنة كان يعانى " بؤسا عبقريا " أحاط بة منذ لحظة

 ميلادة الأولى حتى لحدة ،فهو الجائع الذى لا يجد طعاما ،

الذى اذا مرض لا يجد الدواء ، وهو الذى اذا اتسخ قميصة

يقلبة على الوجة الأخر وكذا بنطلونة ، وهو الذى عاش

حياتة تنغلق فى وجهة كل الأبواب ، ذاق الجوع وتجرع ألامة المريرة ،

لدرجة أنة كان ينام ليالى عمرة على الأرض الجرداء لا يعرف فراشا

 ولا وسادة ، بل وفى أكثر الأيام بلا غطاء أيضا ، عانى عبد الحميد الفقر

والحرمان بأبشع حالاتة ، وقدساء ظنة فى العباد جميعهم فأجمع

 أمرة فى العداء ، فنسى اسمة وحظة والليالى وعاش على التوهم والخيال

، فساقتة ظروفة القاسية الى ادمان الكوكايين الذى ساقة الى السجن ،

ولما أراد أن يعالج نفسة من الأدمان لم يجد غير مستشفى الأمراض العقلية ،

فقضى بها بضعة أشهر حتى شفى مما ألم بة ، وخرج الى الحياة

واضطرتة ظروفة القاسية هذة المرة الى أن يتزوج من امرأة بائعة

 بسوق الخضار كى تصرف علية ، وبرغم فارق السن والمستوى

 العلمى الشاسع بينة وبينها فأنة أراد أن يدفع بها عن نفسة ألام الجوع

ومخالب البرد ، وبرغم ذلك فلم تمكث معة الا عدة شهور حالت بينة

وبين الجوع ، الا أنها أذاقتة صنوفا أخرى من العذاب النفسانى الذى

 فاق عذاب الحوع ، طال حنين عبد الحميد الى الغنى فالكل جهل

يومة ولن يكرموا غدة ويا حر قلبة من شقائة فى أمسة ،

فأضطرتة ظروفة هذة أن يمتدح ذوى الجاة والسلطان الذين كان ينفر منهم ،

 الا أنة كان يفعل ذلك تحت وطأة الفقر والجوع والحاجة ، فقد وصل بة

البؤس درجة جعلتة يشك فى وجودة فيقول أخلقتنى يارب أم أنا واهم

 أنا ما خلقت لأننى لا أرزق ، كان حلم عبد الحميد أن يجد حجرة يستتر

 فيها بدلا من التسكع فى الطرقات ، وعلى دكك المقاهى والمساجد ،

 وأحيانا على الأرصفة ، وتحققت لة أمنيتة هذة على يد دجال مشعوذ ،

 فعمل مساعدا لة ، يستقبل زبائنة ، ويمتدح الشيخ أمامهم ، ويسرق منهم

أخبارهم ثم يسربها الى الدجال ... وهكذا ، تعرف على أحد زبائن

ومريدى الشيخ ووعدة هذا الذائر بمكافأة بتحقيق أغلى أمنية لة

فى حياتة وهى " وظيفة " ، حيث كان هذا الذائر من ذوى الجاة

والسلطان ، وبالفعل حقق لة أمنيتة، لكنهم طلبو منه مسوغات التعيين ،

 ولم يكن لدية شئ فهو ان كان يحمل مؤهل فهو الجوع والعطل ،

ثم تدخل هذا الذائر واستطاع اعفاؤة من المسوغات واستلم عملة لكنة

 فوجئ بأن ليس لة مكتب ، ولا حتى كرسى يجلس علية ، بالأمس

كان مشرد أهليا وهاهو اليوم وبعد استلام عملة أصبح مشردا رسميا

 فخاطب المسئولين ، وحينما تحقق لة ما أراد ، وأصبح لة مكتب وكرسى ،

 مات عبد الحميد نقيب الؤساء .

** - لم يخلق الحزن الا فى جوانحنا .......... ولا المدامع الا فى مأقينا 

- لو ذاق هذى الورى معشار محنتنا .......... ما فارقوا عيشهم دنيا ولا دينا 

- أفى حجرتى يارب أم أنا فى لحدى .......... ألا شد ما ألقى من الزمن الوغد 

- لكم كنت أرجو حجرة فأصبتها .......... بناء قديم العهد أضيق من لحدى 

- ترانى بها كل الأثاث ، فمعطفى .......... فراش لنومى أم وقاء من البرد 

- أما وسادتى بها فجرائد .......... تجدد اذا تبلى على حجر صلد

- تساكننى فيها الأفاعى جريئة .......... وفى جوها الأمراض تفتك أو تعدى 

- أنا الغريب على الدنيا فعالمها .......... أعدى عدوى يهجونى وأهجوة 


 ( نقيب الؤساء )

بقلم




- سليمان شلتوت 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق